المقالة الثالثة:
بقلم المستشار الدكتور/ أيمن حامد سليمان
رئيس مجموعة شركات أيمن حامد سليمان-
رئيس المجلس الأعلى للدفاع عن حقوق الإنسان
والمدير العام لمؤسسة مصر للدفاع عن حقوق الإنسان
الرئيس الإقليمى والمدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
لمؤسسة الأقطار العربية للنفط للتعاون بين الشعوب (أوابك- مصر)
ورئيس المجلس التنفيذي والمدير العام
لجمعية مهندسى البترول والتعدين والغاز (SPE-EGYPT)
مشاركة المرأة في التنظيمات غير الحكومية:
من المسلم به أن دور المرأة ومشاركتها في التنظيمات الأهلية لا ينفصل عن وضعها في المجتمع بصورة عامة، وهو الوضع الذي سيتحدد بدوره بمدى تطور البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وأن العلاقة بينهما علاقة جدلية وتفاعلية، فمن المستحيل أن تتطور أدوار المرأة وتتحرر وتصبح شريكا كاملا في المجتمع، إلا إذا سمحت مرحلة تطور البنى الاجتماعية والسياسية في هذا المجتمع بذلك وهي بدورها تتأثر في تطورها بدرجة تحرر المرأة وتفاعلها مع حركة المجتمع .
ويتمثل النشاط الأهلي للنساء في أنماط متعددة من أقدمها وأكثرها شيوعا الجمعيات الخيرية النسائية، وهي الجمعيات التي ترتبط بالفلسفة التقليدية للبر والإحسان، وتحاول بالتالي ترميم وإصلاح العيوب ومعالجة المشكلات من موقف إصلاحي وهي أكثر أصناف الجمعيات رواجا وعراقة. فهي تارة جمعيات خيرية (مختلطة» تسهم فيها نساء، وتارةً أخرى جمعيات خيرية نسائية صرفة لا تعمل فيها إلا النساء.
وهناك جمعيات واتحادات نسائية مرتبطة بأحزاب في السلطة أو خارجها، فإن كانت هذه الأحزاب خارج السلطة، فإنها قد ترتبط بالحركة الوطنية وتربط نظرتها للمرأة بموقفها الأيديولوجي، أما تلك المنظمات التابعة لأحزاب في السلطة فهي تتحرك في إطار الحزب وتتسم بدرجة عالية من البيروقراطية.
وتشير البيانات والإحصاءات المتوافرة على الصعيد العربي إلى ضعف المشاركة النسائية بصورة عامة في التنظيمات والجمعيات الأهلية، فضلا عن ضعفها في العمل النقابي، وتواجد المرأة أساسا على المستويات القاعدية دون القيادية، وبالتالي ابتعادها عن مواقع صنع القرار.
كما تأتي المشاركة في هذه التنظيمات من فئات وطبقات اجتماعية معينة ممن يملكن الوقت والمال وكذلك من فئات عمرية متأخرة نسبيا بعد سن الأربعين غالبا، حتى لا يكون هناك أطفال في حاجة إلى الرعاية، كما تتسم هذه التنظيمات في الغالب بالطابع الحضري فتستوعب نساء الحضر، مما يعني تهميش قطاعات ومناطق وأجيال وطبقات اجتماعية عن المشاركة في العمل الأهلي النسائي العربي، يؤدي ذلك حتما إلى صياغة مضمون النشاط الأهلي في إطار أنساق فكرية وثقافية وقيمية لا تمثل الغالبية العظمى من النساء العربيات.
ولقد قامت المنظمات غير الحكومية تاريخيا وتقليديا بدور أساسي وفعال في توفير الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية ومحو الأمية وتدريب على مهن حرة، والقيام بأنشطة مدرة للدخل لمكافحة الفقر والعوز وركزت تاريخيا على تقديم تلك الخدمات والرعاية الاجتماعية إلى الفئات المحتاجة من المجتمع من الفقراء والمعوزين ومحدودي الدخل والمعاقين والمسنين والنساء الفقيرات والأطفال في الريف والمدينة. وكان للدور الذي لعبته المنظمات غير الحكومية أكبر الأثر في الدول العربية الأقل نموا، والدول التي كانت عرضة للهزات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي والحروب، والدول التي اجتاحتها الكوارث الطبيعية.
وفي ضوء التحديات والمستجدات العالمية والإقليمية على إثر توصيات مؤتمرات عالمية عقدت في التسعينيات؛ طرأ تغير نوعي على بعض المنظمات غير الحكومية العربية من حيث الأهداف والأنشطة، وإن بقي هذا التغير محدودًا ولم يتعد في كثير من الأحيان الإعلان عن الأهداف فتحولت من دور اجتماعي صرف إلى دور تنموي، واجتماعي، واقتصادي وسياسي. فبينما لا يزال عدد من المنظمات غير الحكومية مختصا بتقديم خدمات صحية اجتماعية ورعائية، يركز البعض الآخر على عمليات التوعية والدعوة والدفاع والمساندة والمطالبة بحقوق الإنسان التعزيز تحسين نوعية حياة المواطن. وقد نشطت معظم المنظمات غير الحكومية العربية في الإعداد للمؤتمرات الدولية التي عقدت في التسعينيات، والتي تهدف إلى التنمية الاجتماعية المستدامة وتحسين نوعية الحياة كقاسم مشترك. والتطور في مهام المنظمات غير الحكومية ينعكس في تغيير أهدافها وتوسع أنشطتها التي تتمثل أولا في الدعوة والدفاع والمناصرة ومساندة المصالح العامة في المجتمعات المحلية التي تقوم بها ؛ لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من خلال محاولات التأثير على السياسات العامة؛ وثانيا في محاولة التأثير على الرأي العام في المجتمع. وهذا الاتجاه الجديد الذي تتصف به بعض المنظمات غير الحكومية في الأقطار العربية هو من أبرز المؤشرات الإيجابية لتطور المجتمع المدني العربي نحو التنمية الاجتماعية المستدامة.
ثالثا: مشاركة المرأة في العمل التطوعي:
ظهرت بدايات العمل التطوعي في العالم العربي في القرن التاسع عشر واستمر بوتائر مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل دولة من الدول العربية وكان له إسهامات كبيرة في تقديم العون والمساعدات للفئات الاجتماعية المحرومة.
ويعتبر البعد الثقافي القيمي عاملا مهما بالعمل التطوعي لما للمنظومة الثقافية والقيمية من تأثير في الدوافع والأسباب التي يحملها الأفراد، ولا شك في أن الموروث الثقافي العربي الإسلامي والمسيحي يحتوي على العديد من القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية؛ كالتعاون والتكافل والزكاة والبر والإحسان وغيرها من القيم التي تحفز على التفاني من أجل الغير.
والمتتبع للتاريخ الإسلامي يلاحظ أثر الأعمال التطوعية في الحياة العامة للمجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية في العهد الأول لم ينهضا ويقوما بدورهما الحضاري الرائد إلا بفضل الأعمال التطوعية، التي كان يبذلها أفراد المجتمع الإسلامي، بل إنها كانت وراء استمرار المجتمع الإسلامي والمحافظة على بقائه وديمومته إلى الآن.
ولو نظرنا إلى التعليم والتربية في المجتمع الإسلامي مثلا نجد أنها ما كان من الممكن أن تحرز التقدم المذهل والانتشار الواسع النطاق لو لا نظام الوقف الخيري - الذي هو أحد الأعمال التطوعية، الذي عن طريقه يتم تمويل عملية التربية والتعليم على جميع المستويات، مدارس وطلبة ومناهج وأساتذة وتعليم وكتابة ومكتبات عامة وغير ذلك.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الصحة، فقد لعب العمل التطوعي دورا مهما في القضاء على الأمراض والحيلولة دون انتشارها وتفاقمها، وذلك من خلال حركة بناء المستشفيات ودراسة الطب والإنفاق عليه من موارد الأوقاف الخيرية، ومن خلال التوعية والتثقيف الصحي.
من هنا؛ تأتي أهمية العمل التطوعي كونها إحدى السبل المثلى - بل أهمها - التي تسلك في عملية تحسين الأحوال المعيشية وإيجاد حياة أفضل الأفراد المجتمع .
فمن المعلوم أن من مجالات العمل التطوعي التي حث الإسلام على الاهتمام بها الرعاية الاجتماعية للطبقات المحرومة والمعدمة كالأيتام والفقراء والمساكين كذلك المرضى والمجانين والعناية بالعجزة والأرامل والمطلقات، مضافا إلى قضاء حوائج الناس وإقامة المشاريع ذات النفع العام للمجتمع كالأسبلة والحمامات العامة والمستشفيات والمدارس والمكتبات وسائر الأمور التي ينتفع بها عموم الناس.
ويمكن التمييز بين شكلين أساسيين من أشكال العمل التطوعي :
1 - العمل التطوعي الفردي:
وهو عمل أو سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة ولا ينبغي منه أي مردود مادي، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية في مجال محو الأمية - مثلا - قد يقوم فرد بتعليم مجموعة من الأفراد القراءة والكتابة ممن يعرفهم، أو يتبرع بالمال الجمعية تعني بتعليم الأميين.
2- العمل التطوعي المؤسسي
وهو أكثر تقدما من العمل التطوعي الفردي وأكثر تنظيمها، وأوسع تأثيرا في المجتمع، ففي الوطن العربي توجد مؤسسات متعددة وجمعيات أهلية تسهم في أعمال تطوعية كبيرة الخدمة المجتمع.
وعموما يعتبر تمويل العمل الطوعي العنصر المهم والفعّال في تطور المؤسسات الخيرية وتطورها في أي بلد من البلدان. ويكاد يكون العمل الطوعي مرادفا للعون الذاتي، أو تمويل المشاريع من خلال التنفيذ والتطوع بالجهد. وعلى الرغم من كل المعاني التي ينبغي أن تصاحب العمل الطوعي وعطاء المجتمع، والمتمثلة في تكاليفه ومقدرته على استثمار زمن وجهد المتطوعين وأعضاء المجتمع، يبقى العمل الطوعي بحاجة للتمويل النقدي لتسيير البرامج ورصد الإمكانات المتقدمة والمتطورة للحركة، وإجراء الدراسات وإعداد رصيد استراتيجي لحاجات العمل، ويعتبر تمويل العمل الطوعي واحدا من الإشكالات التي تواجه العاملين في هذا الحقل؛ لأن المستفيدين من خدمات العمل الطوعي دائما في الفئة الهيئة والتي لا تستطيع المساهمة إلا بالقدر المحدود جدا في تمويل العمل الطوعي وتلعب المرأة العربية دورا بارزا في مؤسسات العمل الطوعي سواء في الجهات المانحة أو المستفيدة.
ومع هذا، فإن العمل الطوعي لا بد أن يتسم بسمتين رئيسيتين، هما:
-أن يدفع صاحب المال ماله لتمويل العمل الطوعي طواعية ودون إكراه حتى يكون ذلك متمشيا مع طبقة العمل الطوعي الإدارية.
-لا بد للممول أن يقدم هذا المال بهدف دعم العمل الطوعي وألا يكون له أهداف أخرى.
وكما هو معروف؛ فإن العمل الطوعي لا ينمو ولا يزدهر إلا في وجود أرضية خصبة وذلك هو الإيمان بالله واليوم الآخر وبالجزاء يوم القيامة، وأن ربط العمل الطوعي في كل جوانبه بالعبادة يعتبر أمرا مهما لتطويره وتقدمه حتى يلعب دوره المنشود بصورة ترضي مقدم المال للعمل الطوعي وفي الوقت نفسه تحفظ وتصون كرامة متلقي الخدمة الطوعية. وتختلف هذه المصادر اختلافا كبيرًا من ناحية حجم التمويل المقدم للعمل الطوعي وذلك حسب طبيعة العمل الطوعي فالدول الغنية مثل السعودية والكويت يعتبر تمويلها أكبر من تمويل الأفراد .
المستشار الدكتور / أيمن حامد سليمان
رئيس مجموعة شركات أيمن حامد سليمان
رئيس المجلس التنفيذى لجمعية مهندسي البترول والتعدين والغاز
ورئيس المجلس الاعلي للدفاع عن حقوق الانسان والأمين العام للأتصال السياسى
لمؤسسة مصر للدفاع عن حقوق الانسان
والرئيس الأقليمى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأمين العام للتعاون العربى المشترك
لمؤسسة الاقطار العربية للنفط