نضوب البترول
جرس إنذار متأخر
** ينبغى أن يسأل العرب أنفسهم جملة أسئلة ، وهم يواجهون المستقبل بلا أية أدوات ، ولا أية استراتيجيات ، ولا أية مشروعات ، خصوصا وان عصر النفط قد بدأت نهايته التاريخية : ماذا أعددنا من خطط واستراتيجيات ، يصل امدها الى العام 2050 م ؟ كيف ستواجه الأجيال العربية القادمة مصيرها من دون ثروات نفطية ؟ أين ذهبت مليارات الدولارات من العوائد النفطية العربية على امتداد نصف قرن مضى ؟ هل تحققت أية ثورة إنتاجية عربية ، زراعية كانت ، أم صناعية ، أم تعليمية تنموية ؟ ما دور السياسات والشعارات التى راحت على مدى خمسين سنه مضت من دون أى نتائج تذكرنا بالحد الأنى ، مقارنة بمجتمات أخرى فى العالم بدات مشروعاتها من بعدنا ، وقد تفوقت علينا تفوقا مخجلا لنا ؟ منذ خمسين سنه ونحن نسمع بالتنمية العربية وتهيئة المستقبل للأجيال المقبلة .. فأين الخلل بعيدا عن العواطف السياسية والأنتماءات الايديولوجية ، والنوازع الدينية ؟ واليوم ، ثمة مليارات عربية مجمدة ، وثمة صرف وتبديد للأموال فى غير محلها ، وثمة انسحاق للبنية النفطية العراقية منذ العام 1991 ولم تعد حتى الان ؛ وثمة صعود ونزول فى أسعار البترول ..
إن بعض الزعماء العقلاء يدركون حجم الخطر القادم ‘ بل ولديهم بعض الأفكار عن تحديات كبرى لاقبل لنا بها ستواجهنا شئنا أم أبينا .. ولكن هل يامكانهم أن يبقوا ضمن الأطر التى هم فيها ؟ وهل ينفع ما يمكن فعلة ؟ هل الأمر ينحصر بمسألة إصلاحات شكلية لا نفع فيها أبدا الا يقتضى الأمر البدء باستراتيجية تغير شامل من اجل قطع دابر التخلف ، وعوامل نموة . واقصاء عناصره إقصاء كاملا ، والبدء ببرامج حقيقية لتغيير وجه الحياة العربية وأساليبها والعمل على خلق عوامل انتاج جديدة . ورفع مستوى الوظائف والاعمال عن طريق تعزيز الانتاج لزيادة دخل الفرد .. والحفاظ على الثروات واستثمارها دون تبديدها . والتشديد على ضرورة تحولات اقتصادية جذرية كى نجد جملة بدائل حقيقية بعد أن ينتهى زمن النفط تماما ؛ إن مجتمعاتنا قاطبه ، تعيش مشكلات لا حصر لها ، وليس للدوله أن يكون لها مخرجا ، إلا بايجاد حلول واقعية لتلك المجتمعات التى أصبحت عالة على الدول ، ليس فى مجالات مهام الدولة الأساسية كالقضاء ، والعداله ، والأمن ، والدفاع ، بل حتى فى مرافق أخرى تتصل بالتربية والتعليم والصحة والخدمات . إن مشكلة الوعى بمخاطر زمن ما بعد النفط لا تكمن عند الدول حسب ، بل أنها كامنه فى كل مجتمعاتنا التى تعود أبئاؤها الكسل ، والتواكل ، والعجز ، والبطاله المقنعة ، والهروب من المسؤولية ، وانعدام الإخلاص فى العمل .. ولقد كانت سياسات الدول العربية قاطبة وراء هذه الحالات بأشكال مختلفة . إن شعور المجتمعات بالإحباط كونها اعتمدت على الدول فى توفير كل الفرص ، ولما كانت الدول عاجزة عن دفع المجتمعات ، نتيجة سوء التكوين التربوى ، واستسهال الحياة والاستخفاف بها ، فضلا عن امتلاك الدول والحكومات لوسائل الإنتاج .. إضافة إلى إخفاق التجارب الاشتراكية فى أهم الدول ذات الكثرة السكانية . مثل مصر والعرق ، والجزائر ، وسوريا .. قد خلق تناقضات لا حصر لها ابدا اليوم ، فكيف ستغدو هذه التناقضات بكل تفاقمها بعد خمسين سنه من اليوم ، وقد رحل زمن النفط من دون رجعة إن الطموحات التى يتحدث بها الزعماء وهم يمنون شعوبهم بالتطلعات والحياة الكريمة ينبغى أن تصاحبها إجراءات تعمل صوب أهدافها لما بعد زمن النفط .. إن النفط هو الوحيد الذى يعطى اليوم قيمة لمن يملكة ويحدد حجمة فى العالم ، ولكن من دونه ، فسوف لا يلتفت العالم نحونا أبدا ، إلا إن خلقنا لأنفسنا وسائل إنتاج جديدة ، ومصادر ثروات جديدة أخرى لحياتنا .. إن أى دعوة للتغيير وايجاد بدائل إنتاجية جديدة ، لا يعد ترويجا لأفكار غير واقعية ، كما يقول بعض سدنه شركات البترول العربية اليوم والذين يضحكون على حكومات الدول وعلى أنفسهم عندما يقولون بان الوضع القائم والمستقبلى " مطمئن " يقول رئيس شركة أرامكو السعودية عبد الله جمعة ذلك ، ويضف بأن الاعتماد على البدائل الجديدة للبترول هو أمر " غير واقعى " وبالرغم من كونة كشف أن الدول العربية " تختزن نحو 65 فى المائة من الاحتياط العالمى المثبت من المصادر التقليدية ، وأنها تؤمن نحو 30 فى المائة من الإمدادات العالمية فى حين أن بدائل البترول ليست جاهزة تماما " انه هنا يخدع كل من يسمعة ، وهو لا يدرك بأن العرب ليس باستطاعتهم اليوم الاعتماد على البدائل الجديدة . ولكن باستطاعتهم التفكير بما يمكن عملة من اجل درء أخطار المستقبل المهولة ..
يعتبر قطاع الطاقة المحرك الأساسى للنشاط الإقتصادى فى جميع دول العالم ، وتقوم الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط والغاز بفضل ما تمتلكة من إحتياطيات كبيرة تمثل 58 % من إجمالى الإحتياطى العالمى من النفط و 29 % من اجمالى الإحتياطى العالمى من الغاز الطبيعى ، بدور رئيسى فى تزويد العالم باحتياجاته فى هذين المصدرين الرئيسين للطاقة . قد شهدت الدول العربية خلال فترة الثلاثة عقود الماضية ، نمواً ملحوظاً فى قطاعاتها الإقتصادية والإجتماعية ، نتج عنها تغييرات هيكلية عديدة ، لعل من أهمها الزيادة المتسارعة فى عدد السكان ، وزيادة متوسط دخل الفرد من الناتج المحلى الإجمالى وادت تلك العومل مجتمعة إلى زيادة كبيرة فى معدل نمو إستهلاك الطاقة وخاصة ( النفط والغاز الطبيعى ) فى الدول العربية ، حيث إرتفع إستهلاك الطاقة من 3.9 مليون برميل مكافئ نفط يوميا (ب م ن ى ) عام 1985 الى 10.4 مليون (ب م ن ى ) عام 2009 ، أى بحوالى ثلاثة أضعاف أو بمعدل نمو سنوى باغ حوالى 4.2% وهو معدل مرتفع مقارنه بمعدلات إستهلاك التكتلات الدولية الأخرى .
وأوضحت دراسة حديثة صادرة عن منظمة أوابك أن إستهلاك الطاقة فى الدول العربية قد إتسم بعدد من السمات الأساسية منها إرتفاع متوسط إستهلاك الفرد ، وانخفاض مؤشر كثافة الطاقة ، إلا أن السمة الأبرز لاستهلاك الطاقة فى معظم الدول العربية سواء المصدرة أو المستهلكة للنفط والغاز الطبيعى ‘ هى الإعتماد شبه الكامل على مصدرى النفط والغاز الطبيعى فى تلبية الإحتياجات المحلية وتزايد حصة الغاز الطبيعى فى مزيج الطاقة العربى مقابل انخفاض حصة المنتجات ، وقد إرتفعت حصة النفط والغاز الطبيعى من إستهلاك الطاقة فى الدول العربية ، من 94.4% عام 1985 الى حوالى 96.8 % عام 2009 بينما إنخفضت حصة مصادر الطاقة الأخرى ، كالطاقة الكهرومائية ، والفحم ، والطاقة النووية ، والطاقة الشمسية ، والطاقة الحيوية فى المنطقة العربية ، من 5.6% الى 3.2% خلال الفترة ذاتها .
وعلى صعيد الاستهلاك يمكن تقسيم الدول العربية إلى ثلاث مجموعات وهى كالتالى :
أولا : الإستهلاك فى الدول التى تقوم بتصدير معظم أنتاجها من النفط والغاز الطبيعى ، حيث أن الإستهلاك المحلى يمثل حصة لاتتجاوز ثلث إنتاجها وتضم هذه المجموعة دول مجلس التعاون الخليجى بأستثناء البحرين ، بالاضافة الى كل من ليبيا ، والجزائر والعراق .
ثانيا : الدول التى يشكل الإستهلاك المحلى حوالى نصف إنتاجها من النفط بينما يوجة النصف الأخر للصادرات . وتضم هذة المجموعة مصر . وسوريا ، والبحرين ، واليمن .
ثالثا : الدول التى تعتمد على الإستيراد المقابلة الإستهلاك المحلى وتضم تونس وبقية الدول العربية غير الأعضاء فى منظمة أوابك بأستثناء عمان واليمن والسودان . وقد ترك النمو المتزايد فى أستهلاك الطاقة عربياً اثارة على متوسط إستهلاك الفرد الذى إرتفع من 7.4 ب م ن ( برميل مكافئ نفط ) عام 1985 إلى 11.2 ب م ن عام 2009 ، ويتباين هذا المتوسط بين دولة وأخرى .
وتشير التوقعات المستقبلية الى إستمرار نمو إستهلاك الطاقة فى الدول العربية حتى عام 2030 بمعدل 3.3% ليصل الإجمالى 20.8% مليون ( ب م ن ) وسيصاحب ذلك ارتفاع فى متوسط إستهلاك الفرد من الطاقة فى الدول العربية بمعدل 1.7% متجاوزا معدل النمو العالى البالغ 0.5% وبذلك يتوقع أن يبلغ متوسط إستهلاك الفرد من الطاقة فى الدول العربية حوالى 12.8 برميل مكافئ نفط فى عام 2015 ليحق بالمتوسط العالمى المتوقع وصوله فى العام 2015 إلى 12.8 برميل مكافئ نفط ثم يتجاوزه ليبلغ 15.9 برميل مكافئ نفط فى خلال عام 2030 ، عندما يبلغ المتوسط العالمى 13.8 برميل مكافئ نفط .
المستشار الدكتور / أيمن حامد سليمان
رئيس مجموعة شركات أيمن حامد سليمان
رئيس المجلس التنفيذى لجمعية مهندسي البترول والتعدين والغاز
ورئيس المجلس الاعلي للدفاع عن حقوق الانسان والأمين العام للأتصال السياسى
لمؤسسة مصر للدفاع عن حقوق الانسان
والرئيس الأقليمى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأمين العام للتعاون العربى المشترك لمؤسسة الاقطار العربية للنفط